منبر التوحيد و الجهاد - قراءة مادة
 جـديـد المنـبـر | مـحـرك البحث | برنامج منبر التوحيد و الجهاد | خارطة الأقسـام | مـراسلات
مكتبة الشيخ المقدسي
منهاج السنة
عـقــيــدة أهـــل الـجـنـة
الــفــريــضــة الــغــائـبـة
كــــتــــب وأبـــــحــــاث
مـــــــــــــقــــــــــــــالات
قــــضـــايـــا فــقــهــيــة
التـــاريــخ و الســــــيـــر
حــــــــــــــــــــــــــوارات
أشـــبــــال الــتــوحــيــد
مـــــــــطــــــــويــــــــات
فــــــرق ومـــــذاهــــــب
مجــــــــــــــــــــــــــــلات
دراســات إستراتــيجــــية
قـســم المــواد المترجمــة
بــيــانـــــــات المــــنــبــر
صوت التوحيد
مـــــــرئــــــيـــــــــــــات
خـطـب ومــحـــاضـــــرات
حـــــــداء الـــمــجــاهـــد
عيون الكلم
مــخـتــارات شــرعـــيـــة
الــجـهــاد والــشــهـــادة
الأخــــلاق والـــرقــائـــق
الـــواقــع الــمــعــاصـــر
مــوضــوعـات مــتـنـوعـة
 منبر التوحيد و الجهاد منهاج السنة الفريضة الغائبة الحرب الصليبية الجديدة جذور الحرب الصليبية " فلسطين الأسيرة " رسالة غزة

رسالة غزة


الكاتب : أبو الوليد الأنصاري
تاريخ الإضافة: 2009-07-11
صندوق الأدوات
حفظ المادة
طباعة
إلى المفضلة
تنبيه عن خطأ
إلى صديق
محرك البحث
بحث في الصفحة
بحث متقدم » 

شارك معنا
شارك معنا في نشر إصدارات المجاهدين. . . رسالة إلى كل من يملك كتاباً أو مجلة أو شريطاً . . . تتمة


ما فِي البِلادِ أَخُو وَجْدٍ نُطارِحُهُ حَدِيثَ نَجْدٍ ولا خِلٌّ نُجَارِيهِ


حَمْداً لله؛ وبَعْد:

فَإذا كانَتِ القِصَّةُ التي يَحِيكُها الخَيالُ تَطْبَعُ آثارَها في النفْسِ البَشَرِيَّةِ حتّى إِنها لتَصْحَبُ الإنسانَ مَدَى الحياة؛ فإنَّ ما يَجْرِي في أَيامِنا هذهِ مِنَ التَضْحِياتِ على أرضِ غَزَّةَ الأبِيَّةِ وفِي مَرابِعِ فِلَسْطِينَ المُبارَكَةِ الطيِّبَةِ كَفِيلٌ بإذْنِ اللهِ بِرَفْعِ مَنارَاتِ الهِدَايَةِ للأُمَّةِ بأَسْرِها؛ وتَوْضِيحِ مَعَالِمَ لِطَرِيقِها لا يُؤَثِّرُ فيها قَرُّ الجَدِيدَين؛ (القَرُّ: البرْد، والجدبدان: الليلُ والنهار)، ولا يُحِيلُها اخْتِلافُ العَصْرَينِ، وللهِ عَاقِبَةُ الأمُور.

وإذا كانَ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يُعْجِبُهُ (الفأْلُ الحَسَنُ)؛ حَتَّى تَفَاءَلَ يَوْمَ الخَنْدَقِ بِكُنُوزِ كِسْرَى وقَيْصَر!! فإنَّ لازِمَ الاقْتِدَاءِ بِهِ أنْ تَكُونَ وَرَاءِ تِلْكَ المِحَنِ مِنَحٌ صافِيَة؛ ونِعَمٌ كافِيةٌ؛ ومِنَ الشْوكِ يُجْتَنَى الوَرْدُ، وعَلَى اللهِ قَصْدُ السبيل.

وإذا كانَتْ فِلَسْطِينُ في (الرُّؤْيا) ظَفَراً ونَصْراً على الأَعْدَاءِ!؛ وغَزَّةُ في (الرُّؤْيا) خِصْباً ورَاحَةً وأَمْناً ونِعْمَةً!؛ فَلَنَ تَتَصَرَّمَ الأيامُ حَتَّى يَصْدُقَ اللهُ عِبادَهُ الرُّؤْيا بالحَقِّ؛ وَيْدْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ التي كَتَبَ اللهُ لَهُم مِنَ البابِ الذي أُمُرِوا بِهِ؛ فإذا دَخَلُوهُ فإنَّهم بإذْنِ اللهِ غالِبُون!!.

مَنْ بَرَى القَوْسَ رَمَى!.

وَلَوْ أنّ أُمَّتَنا تُنْصِفُ نَفْسَها قَبْلَ أنْ تُطالِبَ أُمَمَ الأَرْضِ بإنْصافِها لكَانَ لَها مَعَ فِلَسْطِينَ شَأنٌ آخَر!، بَيْدَ أنَّ كثيرِينَ مِنّا أُمَّةَ الإسْلامِ قَدْ سَرَى إلَيْهِمْ - عَافَاهُمُ الله – دَاءُ الوَهْنِ ونُصْبُ الفَشَلِ فاسْتَبْطَنَ العِظامَ وخالَطَ اللحْمَ والدم!، وأصْبَحَ الهَوانُ إِلْفاً وطَبْعاً لِقَوْمٍ مِنَّا يَصْعُبُ عَلِيْهِمْ مُفارَقَتُهُ، وكَمْ مِن الناسِ مَنْ يأْلَفُ ما يُتْلِف؟!!.

ولَوْ أنّ نَفَراً مِنْ أبناءِ جِلْدَتِنا - إذْ أبَوْا إلاَّ مُجَارَاةَ الأُمَمِ الغَرْبِيَّةِ حَتَّى فِيما يَضُرُّ!! – جَارَوْها فِي عِنَايَةِ تِلكَ الأُمَمِ بِرَعَاياها؛ وفِي حَمِيَّتِها وَحِمَايَتِها لأَبْنائِها؛ لَكانَ المُصابُ بِواحِدٍ مِنْ أَبْناءِ غَزَّةَ - فَضْلاً عَنْ أُمَمٍ لا يُحْصيها غَيرُ خالِقِها - زَعِيماً بِقِيامَةٍ كُبْرَى تَجْتَثُّ الشَّجَرَةَ اليَهُودِيَّةَ الخَبِيثَةَ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ؛ لِتُلْقِيَ بِها فِي البَحْرِ المِلْحِ الأُجُاجِ؛ الطّهُورِ مَاؤُهُ والحِلِّ مَيْتَتُهُ.

دَعُونا مِمَّنْ جَارَ عَلى رَعِيَّتِهِ!؛ وقَدْ أَظَلَّهُمْ ظُلْمُهُ!؛ وغَشِيَهُمُ غَشْمُهُ!؛ وحَدِّثُونا عَنْ صَنائِعِ أُدَبائِنا وكُتَّابِنا وما الذي أغْفَلُوهُ مِنَ البُطُولاتِ والتَّضْحِياتِ التي تَصْنَعُ التاريخَ؛ يَوْمَ اشْتَغَلُوا عَنْها بِما لا يُساوِي المِدَادَ الذي يُكْتَبُ بهِ!؛ فَباءُوا بِما يَقْبُحُ في الذكْرِ ويَسْمُجُ في النَّشْر!!، وَلَيُسْئَلُنَّ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُون.

رفِلَسْطِينُ بَيْنَ السيفِ والقَلَم:

وماذا عَسايَ أَكْتُبُ عَنْ فِلَسْطِينَ وقَلْبِها الحَيِّ غَزَّةِ هَاشِم؟!؛ وآباؤُنا وإخْوانُنُا وأَبْناؤُنا هُناكَ أَحْوَجُ إلى الأعْمالِ مِنْهُمْ إلى الأَقْوَال؛ وإلَى مَا يَرَوْنَهُ بالغَيْنَيْنِ لا إلى ما يَسْمَعُونَهُ بِالأُذُنَين!.

وهَلْ أَبْقَى الكاتِبُونَ والمُتَكَلِّمُونَ؛ و(التُّجَّارُ المُتَمَشْدِقُونَ!) مِنْ كَلِمَةٍ تُقالُ عَنْ فِلَسْطِينَ إلا وقَالُوها!!؛ لا فِيما وَعَيْناهُ مِنْ دُنْيانا فَحَسبُ؛ بل مُنْذُ أَنْ أَعْلَنَ الكاتِبُ والصحَفِيُّ اليَهُودِيُّ ((Theodor Herzl - والذي يُعَدُّ مُؤَسِّسَ الصُّهْيُونِيَّةِ السياسِيَّةِ المُعاصِرَةِ - عَنْ دَعْوَتِهِ لِتَأْسيسِ الدَّوْلَةِ اليَهُودِيَّةِ فِي كُتَيِّبٍ نَشَرَهُ فِي نِهاياتِ القَرْنِ الثالثِ عَشَرَ الهْجْرِيِّ؛ أو في عَامِ (1896).

ألَيْسَ ما كُتِبَ عَنْ فِلَسْطِينَ وما قِيلَ عَنْها - خِلاَلَ قَرْنٍ أَوْ يَزِيدُ – مِنْ أََكْدَاسِ الصَّحَائِفِ والكُتُبِ التي تَنُوءُ بِها رُفُوفُ المَكْتَباتِ كَفيلاً بإضْرامِ الأرْضِ نِيراناً تَلْتَهِمُ عُتاةَ اليَهُودِ؛ وتَصْطَلِمُ رِجالَهُمْ وأَنْجادَهُمْ إنْ كانَ فِيهِمْ ذُو نَجْدَةٍ ورُجُولَة؟!.

لكنَّ الكَلِمَةَ هِيَ الكَلِمَةُ!؛ ما كَانَ مِنْها للهِ دَامَ واتَّصَل؛ وما كانَ لِغَيْرِهِ انْقَطَعَ وانْفَصَل!، كما قال الإمامُ مالكٌ رَحِمَهُ الله، وحَسْبُ الكَلِمَةِ التي يُرادُ بِها وجْهُ اللهِ أَنْ تُولَدَ وقَدْ نُفِخَتْ فِيها الروحُ وسَرَتْ في أَعْضائِها الحياةُ؛ فلا تَلْبَثُ أنْ يُنْبِتَها رَبُّها نَباتاً حَسَناً؛ ويُكَفِّلَها مَنْ شاءَ مِنْ عِبادِهِ!؛ بَيَنَما تُولَدُ ضُرَّتُها الأُخْرى وِلادَةَ السِّقْطِ أو الجَنينِ الذي ماتَ في الرَّحِمِ قَبْلَ خُرُوجِه!!.

والكَلِمَةُ الصِّدْقُ بَرْدٌ وسَلامٌ ونُورٌ وهُدَىً لِقُلُوبِ الصِّدْقِ واليَقِين؛ وهِيَ لِغَيْرِ هؤلاءِ سِمَةُ عارٍ على الخُرْطُوم!؛ وعُلْقَةٌ (شوكَةٌ) في باطِنِ الحُلْقُوم!!.

الحُصُونُ العَواصِم:

وما نَكْتُبُهُ عنْ فِلَسْطينَ هُنا - وإن كانَ قَبْسَةَ العَجْلانِ وصَرْخَةَ اللهْفانِ – إلا أَنَّهُ حِرْزٌ مَتِينٌ ومَعْقِلٌ مَنِيعٌ لأَبْنائِنا وأَجْيالِ أُمَّتِنا أَنْ تَرُوجَ عَلَيْهِمْ حِيَلُ المُحْتالِينَ وافْتِراءاتُ المُدَّعِين!.

ويا لَكَثْرَةِ ما تَمَرَّسَ عَدُوُّنا وأَتْقَنَ إغْفالَ الحقائقِ والتَّعامِيَ (أو التَّغابِيَ!) عَن الحُقُوقِ وأصْحابِها!؛ كما أَجادَ - إجادَةً لا يُحيطُ بها الوصْفُ – في إلْبَاسِ المائِنِ (الكاذب) الدَّعِيِّ ثِيابَ البائسِ المِسْكينِ الشَّقِيِّ!!، حَتَّى إِنَّهُ لَما طُلِبَ فِي النصْفِ الأوَّلِ منَ القَرْنِ الماضِي مِنْ بَعْضِ كِبارِ الزُّعَماءِ العَرَبِ التوقِيعَ علَى إنْشاءِ وَطَنٍ قَوْمِيٍّ لليَهُودِ في فِلَسْطِينَ وقَّعَ بالمُوافَقَةِ وثِيقَةَ كَتَبَها بَخَطِّهِ وصَفَ فِيها اليَهُودَ – جَهْلاً أو عَمْداً بالمساكِينِ!!؛ وقَدْ رأيتُ صُورَةً عن هذه الوَثيقَةِ قَبْلَ أكْثَرَ مِنْ عَشْرِ سِنينَ؛ وفاتَنِي أنْ أطّلِعَ على أَصْلِها المَحْفُوظِ في مَكْتَبَةِ المُتْحَفِ البَريطانِيِّ حِينَما طالََعْتُ عَشراتِ المَخْطُوطاتِ هناك.

والتاريخُ شاهد!؛ فَهُمْ – أَعْنِي اليَهُود - هُمُ الذينَ هّيَّئُوا الرأْيَ العامَّ الأُورُبِيَّ فِي تِلكَ المدَّةِ لإنشاءِ وطَنٍ لهم على أرضِ فلَسطينَ؛ ولِيُصْبِحَ العالَمُ العَرَبِيُّ كما يَقُولُ الأستاذُ محمَّدُ قُطْب مُجْرِماً إنْ لمْ يَتَنازَلْ لَهم عن فِلَسْطينَ، واستَدَرُّوا عَطْفَ الدُّوَلِ والأُمَمِ الأُورُبِيَّةِ لتَقْدِيمِ مُساعَداتِ مالِيَّةِ بِمِثْلِ قِصَّةِ المَحْرَقَةِ النازِيَّةِ!؛ والتي انْطَوتْ عَلَى صُوَرٍ وقِصَصٍ وحِكاياتٍ لجَماعاتٍ مِن اليَهُودِ يُقادُونَ إلى مُعَسْكَراتِ الاعْتِقالِ!؛ ومَحَلاتٍ يَهُودِيَّةٍ تُحْرَقُ في كافَّةِ أَنحاءِِ ألْمانيا أثناءَ الليل!؛ وهُرُوبِ الكثيرينَ مِنْهم؛ أَو اخْتِفائِهِم كَقِصَّةِ الفَتاةِ اليَهُودِيَّةِ (آنْ فرانك) التي هَرَبَتْ معَ عائِلَتِها من النازِيَّةِ إلى (هولَندا) عام (1933)؛ إلى أنْ غَزتْ (ألمانيا) الأراضِيَ الهُولَنْدِيَّةَ فَعَثَرُوا عَلَى العائِلَةِ مُخْتَفِيَةً في غُرْفَةٍ أَرْضِيَّةٍ في (أمِسْتِردام) في عامِ (1944)؛ حَيثُ ماتَتْ الفتاةُ في السنَةِ التالِيَةِ!؛ وَوُجِدَتْ (مُفَكَّرَتُها) لاحِقاً في الغُرْفَةِ التي عاشَتْ فيها مَعَ عائلَتِها؛ و
نُشَرتْ بَعْدَ الإعلانِ عنِ الدولَةِ اليهودِيَّةِ بأرْبَعِ سِنينَ! في عام (1952) باللغَةِ الإنجلِيزِية!، وكَفِصَّةِ الضابطِ اليَهُودِي (ألْفْرِدْ درَيفُوس) معَ الجَيشِ الفَرنسي عام (1894) وما بَعْدَها، وقَصةِ (أوسكَرْ سكنْدْلرْ) معَ عُمالِ مصْنَعِهِ اليَهودِ في (بُولَندا)؛ والذي أُنْتَجَ عَنها (فيلمٌ) في سنَةِ (1993)؛ وغيرِ ذلكَ مما نَضِنُّ بَوَقْتِ القارئِ عَنْ حِكايَتِهِ مِنْ مَشاهِدِ (المَحْرَقَةِ)!؛ والتي يَعْرِفُها الناسُ باسمِها في الإنْجِلِيزِيَّةِ ( (Holocaust؛ والتَّي فَنَّدَها الباحِثُونَ الأُورُوبِيَّونَ أنْفُسُهمْ بَيٍنَ مُشّكِّكٍ في أَرْقامِها الحَقِيقِيَّةِ وما وَراءَََ ذلك منْ الدَّوافِعِ والأسْبابِ مِنْ أمْثالِ الفَرَنْسِيِّ (رُوجِيه جَارُودي) في كتابِهِ (أَساطِيرِ اليهود)؛ والذي قالَ بأنَّهُ لا فَرْقَ بَينَ النازِيَّةِ والصُّهْيُونِيةِ إلا فِي مَسأَلَةْ شَكْلِيَّةٍ!؛ ومِنْ ثَمَّ حُوكِمَ مَعَ أنَّهُ كانَ قدْ قارَبَ التسْعِينَ عاماً! بِتُهَمَةِ مُعادَاةِ السامِيَّةِ لأجْلِ ذلك!؛ وبَيْنَ آخَرَ يَنْفِيها مِنْ أَمْثالِ المُؤَرخِ البريطانِيِّ (ديفيد إيفْرينْج) والذي اعْتَقَلَتْهُ السلُطاتُ النَّمْس
اوِيَّةُ في (18/11/2005) بِتُهَمَةِ مُعادَاةِ السامِيَّةِ أَيْضاً؛ ولأنَّهُ نَفَى وُجُودَ أَفْرانِ الغازِ والمَحْرَقَةِ النازِيَّةِ لليهُود.

وكانَتْ فَرَنْسا وهِي مِنْ زُعَماءِ (الحُرِّيَّةِ والديمُوقْراطِيَّةِ الغرْبِيَّة!!) قدْ أَصْدَرَتْ قَانُوناً في عَامِ (1990) يُعْرَفُ باسْمِ (جِيسُو) يُحاكَمُ بِمُوجَبِهِ كُلُّ منْ يُشكِّكُ في رَقَمِ ضَحايا اليَهُودِ فِي المَحْرَقَةِ المُدَّعاة!؛ والتي تَدُورُ فُصُولُها الأساسِيَّةُ – سِوَى ما يَتَخَلَّلُها منَ القصَصِ والمشاهدِ مِمّا لا يَسَعُنا هُنا الحديثُ عنه - حَولَ (سِتَّةِ مَلايِينَ) قُتُلِوا فِيها مِنَ اليَهُودِ!؛ (مَعَ أنَّ الذي ذكَرَه جارودي أنَّ عدَدَ اليهُودِ في أُوروبا كلِّها لمْ يَتَجاوزْ في ذلك الحينِ ثلاثَةَ ملايين!؛ فَمْنِ أين جاءَتْ الستة؟!)؛ وَ المُهِمُّ فِي بَقِيَّةِ القصَّةِ أنهم وُزِّعُوُا على (اثنينِ وعِشْرِينَ) مُعَسْكَراً مِنْ مُعَسْكَراتِ الاعْتِقَالِ؛ مِنْهُمْ مِن بُولَنْدا وَحْدَها نَحْوُ المِلْيُونِ؛ وأنهُ قِتَلَ مِنَ المَجْمُوعِ تَخْمِيناً على الأَقَلِّ (مِلْيونانِ) حَرْقَاً بالأَفْرانِ!؛ ومِنْهُمْ مَنْ ماتَ بِسَبَبِ تَجارِبَ أَجْراها عَلَيْهِ الأَطِبَّاءُ الألْمانُ!؛ وآخَرُونَ فِي غُرَفِ الغازِ السامِّ، وفَريقٌ ثالِثٌ بِحُقَنٍ قَاتِلَةٍ، ورابِعٌ جُوعاً وازْدِحاماً، وخامِسٌ لِسُ
وءِ الخَدَماتِ الصِّحِّيَّةِ!، ومِنْ ضِمْنِ هذا المَجْموعِ نَحْوُ (مِلْيُونٍ ونِصْفِ المِلْيُونِ) مِن الأطْفالِ اليَهُودِ الذينَ لا تَزالُ الدَّوْلَةُ اليَهُودِيَّةِ تَقِيمُ حَفْلَ تأْبِينٍ لَهْمْ في كُلِّ عامٍ؛ يُعْرَفُ باسمِ (!(yad vashem.

والقِصَّةُ لم تَنْتَهِ بَعدُ:

وكَانَتْ (أَمْريكا) كَذلك – وَأَعْنِي بِها صَاحِبَةَ خارِطَةِ الطرِيقِ! التِّي أَدَّتْ بِغَزَّةَ إلى ما نَرَاه!!؛ والتي تُعْرَفُ بِعِلاقَاتِها الوَطِيدَةِ الأرْكانِ باليَهُودِ؛ والتي مَنَحَتْ جَامِعَتُها المَشْهُورَةُ باسم (هارفرد) نِسْبَةً إلى الوَزِيرِ البَريطانِيِّ (John Harvard) مُؤَسِّسِ الجامِعَةِ عامَ (1636) والمُتَوَفَّى عامَ (1638) أَوَّلَ شَهادَةَ دُكْتُوراه بِعُنْوانِ (اللغَةُ العِبْرِيَّةُ هِي الأم)!!!؛ والتي صَدَرَ فِيها ( أعْني أمْريكا) أَولُ كتابٍ مَطْبُوعٍ وكانَ (سِفْرَ المزامير) من أَسْفارِ يَهُود!؛ وأولُ مجلَّةٍ هناكَ وكانت مجلةَ (اليهود)!، والتي قَدَّمَ القِسِّيسُ (وليام بلاكستون) فِيها وثيقةً للرَئيس ِالأمريكي (هاريسون) فِي (5/3/1891) موقَّعَةً من أربعِمائةٍ وثلاثة عشرَ أمريكياً من السياسِيينَ وأعضاءِ مجلسِ الشُّيوخ والقُضَاةِ ورِجالِ الأَعْمَالِ والصُّحُفِيينَ؛ يطالِبُون فيها بإقامةِ وطنٍ قَوْمِيٍّ لليهودِ فِي فِلَسطين!! – قَدْ قَدَّمَتْ (خَمْسَةً وَسِتِّينَ مِلْيُوناً) مِنَ الدُولاراتِ عَامَ (1951) مُساعَداتٍ للناجِينَ مِنَ المَحْرَقَةِ!؛ حيثُ زادَ عَددُ اليَهُودِ في فِلَسْطينَ فِي تِلكَ
المُدَّةِ بِسَبَبِ المَعُونَةِ مِنْ (650) ألفاً إلى (مِليونٍ ومائتَينِ وخَمْسينَ ألفا)!.

وقَدْ كُنْتُ أَحْسَبُنِي مِمَّنْ يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ المَثَلُ الذي يُحْكَى عَنِ الجَمَلِ لَمَّا قِيلَ لَهُ: (لِمَ لا تَرْقُصُ؟!؛ فَقالَ لا أَعْرِفُ الطَّرَبَ)!!، وأَظُنُّ أَنَّ دُنْيانَا لَيْسَ فِيها مِمَّا يُرَوِّحُ عَنِ النَّفْسِ سِوَى المُلْهِياتِ المُغْرِياتِ التي اعتادَها الناسُ؛ وأَجِدُنِي نافِراً مِنْها بِطَبْعِي وللهِ الحَمدُ، وَأَسْمَعُ الناسَ مِنْ حَوْلِي يُحَذِّرُونَ وَيَقُولُونَ: ما للمَشايِخِ وللسِّياسَةِ ودَهالِيزِها التي لا نِهايَةَ لها؟!!؛ حَتَّى إذا ما اخْتَرَقَتُ أَطْواقَ الحِصارِ طَوْقاً بَعْدَ طَوْقٍ؛ وكَرْرْتُ رَاجِعاً عَلى المُحاصِرِينَ فَبَدَّدْتُ جَمْعَهُم وفَرَّقْتُ شَمْلَهمْ بِما فَتَحَ اللهُ عَلَيَّ مِن نُورِ العِلْمِ والمَعْرِفَةِ فَوَلَّوا الأدْبارَ هَارِبِنَ!؛ ورَفَعْتُ عَلَى أَرْضِهِمْ لِواءَ النصْرِ وَشِعارَهُ (لا دِينَ إلاَّ بالسِّياسَةِ ولا سِياسَةَ إلاّ بالدين)؛ انْثَنَيْتُ أَتَتَبَّعُ الطرِيقَ إلى ساَحَةِ السِّياسَةِ (المُعاصِرَةِ!)؛ والتي خِلْتُها أَوَّلَ الأَمْرِ عَسِيرَةَ المَرامِ؛ لا تُورِثُ الواقِفَ عَلَيْها غَيْرَ انْقِباضِ القَلْبِ وكَدَرِ الخاطَرِ وجَهَامَةِ الوَجَهِ
؛ فَإذا بِها تَعُجُّ بِما لوْ تَوَخَّيْتُ حِكايَتَهُ لِجَليسِي لأَدْخَلْتُ عَلَيْهِ المَسَرَّة؛ وجَعَلْتُهُ يَفْحَصُ الأَرْضَ بِقَدَمَيْهِ طَرَباُ!!.

ودُونَكَ - إنْ لَمْ تُصَدِّقْ ما أَقُولُ - ما نَحْنُ فيه!؛ فَأَنْتَ وإنْ كُنْتَ فِلَسْطِينِيَّاً (إلَى النُّخاعِ)! كَما يُقالُ – فَضْلاً عَنْ بَقِيَّةِ المُسْلِمِين - فَعَلَيكَ فِي دِينِ الساسَةِ وَنِحْلَةِ السياسَةِ أنْ لا تَذْكُرَ حَيْفا ولا يَافاَ بلْ ولا القُدْسَ أَيْضاً!!؛ لأّنَّ المُؤامَرَةَ تَقْضِي بِتَقْسِيم الدارِ بَيْنَ مَالِكِها وبَيْنَ اللصِّ المُغْتَصِب!!!، ولِهذا فَعَليكَ أَيْضاً أَنْ لا تَحْكِيَ لأَطْفالِكَ قِصَّةَ آبائِهِم وبِلادِهِم؛ وأَنْ لا تُمَنِّيَهُمْ بِبَيْتٍ فِي رُبُوعِها!؛ وأَن لا تَحَدِّثَهمْ مَثَلاً عَنْ غَزَّةَ ونَواحِيها: مِنْ أَمْثالِ دِير البلحِ؛ ورفح؛ وجباليا؛ وخان يونسَ؛ وعَزَّةَ المدينَة، أو عنْ قراها: عبسانَ الصغيرةِ؛ وعَبْسانَ الكبيرةِ؛ وبني سهيلا؛ وخزاعةَ؛ وبَيتِ حانُونَ؛ وبَيتِ لاهيا؛ والزوَايِدَة؛..و..و..، ولا عَنْ مُخَيَّماتِها: خانَ يونسَ؛ ورَفَحٍ؛ والبُرَيْجِ؛ والنُّصَيْرَاتِ؛ وجباليا؛ والشاطِئِ؛..وغيرِها، ولا أنَّ تَسْمِيَةَ هذه المناطِقِ ب(القطاع) تَسْمِيَةٌ إدَارِيَّةٌ مَحْدَثَةٌ أطْلِقَتْ عَلى المَناطِقِ التي كانَتْ خاضِعَةً للرقابَةِ المِصْرِيَّةِ في اتِفاقِيَّةِ
الهُدْنَةِ بَينَ مِصْرَ والحكومَةِ الصُّهْيُونيَّةِ في (24/2/ 1949) والتي تَعْرفْ باتِّفاقِيَّةِ (رُودُوس)؛ والتي تَضَمَّنَتْ شَرْطَ نَزْعِ السلاحِ مِنْ الجُيوشِ العَرَبِيَّةِ الجرَّارَةِ! التي هَبّتْ لِنَجْدَةِ فِلَسْطينَ؛ وكانَ بعْضُها يَبْلُغُ (ثلاثَمائة) مُقَاتِل!!؛ ولا تَنْسَ أن تَمُدَّ صَوْتَكَ وأنتَ تَقْرَأُ (ثلاثمائة)!!، وزِدْ على ما مَضَى أنّ عَلَيكَ أنْ تُرَدِّدَ ما يُقالُ لَكَ وما يُرَدِّدُهُ بَعْضُ مَن اعْتِقَلَ بِعِقَالِهِ؛ ولم يُفَرِّقْ بَينَ يَمِينِهِ وِشِمالِه: مِنْ أنَّ الأمَّةَ اليَهُودِيَّةَ مِثالُ الديموقْراطِيَّةِ والحرِّيَّةِ والعَدالَةِ والسلام!؛ وأَنَّ حَرْبَ الإبادَةِ (genocide) المُسَلَّطَةَ على المُسْلِمينَ العُزَّلِ فِي غَزَةَ وسَائِرِ فِلسْطينَ حَقٌّ سِياسِيٌّ مَشْرُوعٌ! تَمارِسُهُ السُّلُطاتُ اليَهُودِيَّةُ المُحْتَلَّةُ!!؛ لأَنَّها حِينَ اغْتَصَبَتْ أَرْضَ فلَسْطينَ كانَ ذلكَ بِمُبارَكَةِ ومُعاوَنَةِ الدُّوَلِ الأورُبِيَّةِ وأَمْرِيكا، والتي لا تَعْرِفُ عَمَلِيّاً – وَلا تَزالُ إلى يَومِنا هذا - مَنْطِقاً للحَقِّ غَيْرَ القُّوَّةِ كما قالَ الفَيلَسوفُ الإنْجِليزِيُّ (سِبنْسر) في
مَطلعِ القَرْنِ الماضِي!.

حِكايَةٌ وَحِكايَة:

ولَقَدْ كانَ أَمْراً يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ (رَابِينُ) جَائِزَةَ (نُوبَلَ) للمَكْرِ والثَّعْلَبِيَّةِ! حِينَ دَعَى فِيما سُمِّيَ بِمُؤْتَمَرِ (السلام) في (9/1993) إلى نِهايَةِ العُنْفِ!!؛ وقالَ مُوَجِّهاً خِطابَهُ ل(عَرَفات) وللفِلَسْطِينِيِّينَ: .(enough of blood and tears, enough) وتَعْني: كَفَى للدِّماءِ والدُّمُوعِ؛ كَفَى!!!.

وَوَاضِحٌ أنّ (رابِينَ) ومَنْ وَراءَهُ قدْ أتْقَنُوا تَماماً قِصَّةَ الذئبِ والحَمَلِ الذي كانَ يَشْرَبُ مِنْ أَسْفَلِ النهر!؛ والتي سَمِعْناها مِنَ الآباءِ صِغاراً وعَرَفْنا مِن بَعْدُ أنَّها تُنْسَبُ إلى حِكْمَةِ لُقمانَ علَيهِ السلام!؛ ولا أَدْرِي إنْ كانُ اليَهُودُ تَعَلَّمُوا مِنَ (الإنْجِلِيزِ)؛ أمْ أنَّ (الإنْجِليزَ) تَعَلَّمُوا مِنْهُمْ؛ أمْ (وَافَقَ شَنٌّ طَبَقَة)؟!...

فَبعدَ تَحْريضِ الحَبْرَينِ الأرْثودِكسِيَّيْنِ (يَهُودا ألكالاي) و (هِيرْشْ كالزتْشَر) اليَهُودَ في مُنْتَصَفِ القَرنِ التاسعِ عَشر عَلى وَضْعِ الأساسِ لَمَجِيئِ المَسيحِ المُنْتَظَر!...

وبعْدَ تأسيسِ الحَرَكَةِ الصهْيُونِيَّةِ؛ والتي أطْلَقَ عَليها هذا الاسْمَ لأولِ مَرةٍ اليَهُوديُّ النمساويُّ (Nathan Birnbaum)؛ واقْتِراحِ الصُّحُفِيِّ (هيرزل) الذي سَبَقَتْ الإشارَةُ إلَيْه؛ والذي يُنْسَبُ إليهِ تَقْديمُ (بروتوكولاتِ حُكَماءِ صُهْيُون) للمُؤتَمَرِ الصُّهْيُونِيِّ الأولِ فِي (بازل) عام (1897) الذي أُعْلِنَ فيهِ عَنْ تَشكِيلِ الحَرَكَةِ الصهْيُونِيَّةِ العالَمِيَّة (w.z.o) والتي كانَ (هيرْزل) أولَ رَئيسٍ لها؛ مَعَ تَنَصُّلِ اليَهُودِ مِنْ ذلكَ بِدَعْوَى اكتِشافِ تَزْييفِ (البُرُتوكولاتِ) في سنَة (1921)!!؛ وأن (هِتْلَرَ) استَخْدَمها في حَمْلَتِهِ ضدَّ اليَهُودِ!...

وفِي مُؤْتَمَرِ (بازِلَ) هذا اتَّخَذَ اليَهُودُ النجْمَةَ السدَاسِيَّةَ شِعاراً لهم والتي تَعْنِي (دِرْعَ داود)؛ وهِيَ تَرْجَمَةٌ حَرْفِيَّةٌ لِمَعْناها فِي الإنْجِلِيزِيَّةِ (magen david)، وهِيَ كَلِمَةٌ عَرَبِيَّةُ الأصْلِ مَأْخُوذَةٌ من (المِجَنِّ) الذي هُوَ الدِّرْعُ أو التُّرْس، وقَدْ عُرِفَتْ شِعاراً لليَهُودِ مُنْذُ القَرْنِ السابِعِ عَشر، ثمَّ اتُخِذتْ شِعاراً علَى العَلَمِ اليَهودِيِّ في سَنَةِ (1948)!.

وبَعْدَ أنْ فِشِلَ (هيرْزِلْ) في الحُصولِ علَى تَصْريحٍ مِنَ السلطانِ العُثمانِيِّ بإقَامَةِ الدَّوْلَةِ اليهودِيةِ على أَرضِ فِلَسْطِينِ...

ثمَّ بَعْدَ الاقِتِراحِ البريطانِيِّ بإنشاءِ دَولَةٍ لليهُودِ فِي (أُوغَنْدا) مِنْ شَرقِ أفريقْيا (كما قِيل!)؛ ورفْضِ الحركَةِ الصهيونِيَّةِ لهذا الاقْتراحِ في المُؤتَمَرِ السابِعِ لها في سنَة (1905)؛ وتَشْكيلِها للمُنَظمَةِ الإقْلِيمِيةِ اليهودِيةِ التي كانَ الهَدَفُ منها البحْثَ عنِ أَرضِ للدَولَةِ اليهودِيَّة؛ والتي تَزَعَّمَها الكاتِبُ الإنْجِليزِيُّ (Zangwill) ذو الأصْلِ الروسيِّ المَولُودُ في ( لنْدَن) والمُتَوَفَّى في عام (1926)...

وما تَلا ذلكَ مِنْ وعْدِ (بَلْفُورَ) المَشْهُورِ الذي صَدَرَ في سَنَةِ (1335) أو (1917للميلاد) بَعْدَ مُفاوضاتٍ معَ اليهُوديِّ الرُّوسِيِّ المَولِدِ البريطانِيِّ الجِنْسِيَّةِ (حاييم وَايْزْمَن)، (وصَاحِبُ الوَعْدِ هو: (Arthur james balfour) رَئيسُ الوزراءِ البريطانِيُّ؛ وزَعِيمُ حِزْبِ المُحافِظِينَ؛ الهالكُ في سَنَةِ (1930) ، والذي لا يَعْرِفُ عَنْهُ كَثيرُونَ أَنَّهُ مِنْ أَصْلٍ يَهُودِي!؛ وأّنَّهُ كانَ في كِتاباتِهِ فَلْسَفِيَّ النَّزْعَةِ يُشُوبُها بالتَّدَيُّنِ بِدِينِهِ الباطِل !؛ ومما كَتَبَهُ: الإيمانُ باللهِ والإنْسانِيَّة؛ في عام (1915)، والإيمانُ باللهِ والفِكْرُ؛ في عام (1923) ، وبِهِ تَعْلَمُ أَحدَ أَهمِّ الأسبابِ ورَاءَ إصدارِهِ الوَعْدَ لليَهُود!.)...


وخَطَّ (بَلْفُورُ) خَطاً كانَ مِقْصَلَةً فَقَطَّ رَأْسَ فِلَسْطِينٍ وما شَعَرا!.


وبَعْدَ الخَدَماتِ الذي قَدَّمَها الاحْتِلالُ البَريطانِيُّ (ولا تقلْ: الانْتِدَاب؛ فإنهُ مِن الحِيَل!) للِهْجْرَةِ اليَهُودِيَّةِ بينَ عامِ (1922) وعام (1948)؛ وما تَخَلَّلَ هذه المدَّةِ مِنْ اجتماعِ زُعماءِ الصهايِنةِ عامَ (1942) في أحدِ فَنادِقِ (نيويورك) والذي طالبَ اليَهُودُ فيهِ بإنْشاءِ (كومنولث ديموقْراطِيٍّ) يَهْودِيّ في غَربِ فِلَسْطِين!!؛ وتَشكيلِ المُنَظَّمَةِ العسكَريَّةِ الوطَنِيَّةِ الصهْيونِيَّةِ عامَ (1944) بِقيادَةِ (مناحيم بيغن)...

وبعدَ إعلانِ انْتِهاء الاحْتِلالِ البَريطانِيِّ وتشيكيلِ الدَّوْلَةِ اليَهودِيَّةِ في (14/5/1948)!؛ على أرْضِ فِلَسْطين؛ والتي:


باعَها ذِئْبٌ لِذِئبٍ غِيلَةً فَهيَ للذِّئْبَيْنِ نَهْبٌ مُقْتَسم!.


بَعْدَ هذا كُلِّهِ!: غيرَّتْ الحَكُومَةُ البَريِطانِيَّةُ – وهكذ أَرَادَ المُخْرِجُ – سِياسَتَها فِي فِلَسْطِينَ اسْتِرْضاءً للعالَمِ العَرَبِيِّ عَشِيَّةَ الحربِ العالَمِيَّةِ الثانِية؛ وأَخْرجَتْ (بريطانيا) ما أُطْلِقَ عَليهِ (الوَرَقَةُ البَيضاء) في (مايو/1939)؛ أنْهَتْ فيها – كَما قيلَ – التِزامَها تِجَاهَ الصهْيُونِيَّة!!!.

ومَنْ تَتَبَّعَ أحْداثَ التاريخِ فَسَيَرَى تَكْرَارَ المَشاهِدِ والحَوادِثِ؛ لا مَرَّةً ولا مَرَّتَيْنِ؛ بلْ ما شاء.. !!، ابْتِداءً مِن (سايكس بِيكو) بين ( فَرنِسا وبِريطانيا) في (1916)، ثمّ الهِجْرَةِ اليَهُودِيةِ إلى فِلَسْطينِ عام (1918) بَعْدَ وعْدِ منْ لا يَمْلكُ لِمَنْ لا يَمْلك!، وصُدُورِ قَرارِ عِصابَةِ الأُمَمِ بِوَضْعِ فِلَسْطَينَ تحْتَ سُلْطَةِ (الاحتِلالِ) البريطانيِّ في عامِ (1922)، والمُؤامَرَةِ علَى فَكِّ إضْرابِ الأشْهُرِ الستَّةِ في عام (1936)، ولَجْنَةِ (بيل) والتَّوْصِيةِ بالتقسيمِ في عامِ (1937)، والهْجْرَةِ اليهُودِيةِ في (1939)، وقَرارِ التَّقْسِيمِ في عامِ (1947)، وحَرْبِ (1948) ونتَائجِها وما أعْقَبَها منْ هِجْرَةِ الفلسطينيين، ثمّ العُدْوانِ الثلاثِيِّ في حَرْبِ السويسِ في عام (1956)، و مَقْتَلَةِ (كفْرِ قاسم) فِي السنَةِ نَفْسِها، وحَرْبِ الأيامِ الستة في (1967) والهِجْرَةِ الفِلَسطينِيَّةِ في السنَةِ نَفْسِها، ونَتائجِ حَرْبِ (أكتُوبَر) في (1973)، وما سُمِّي باتفاقِيَّةِ السلام! في (1978)، وهِجْرَةِ اليَهُودِ الروسِ في (1979)، وَالحَرْبِ عَلى لُبْنانَ في (1982)، و(صَبرا وشاتيلا) في
السنَةِ نَفْسِها، وهِجْرَة اليهودِ الأَثيُوبِيينَ (الفالاشا) في سَنَةِ (1985) والذينَ تَمَّ نَقْلُهمْ جَمِيعاً إلى فِلَسْطينَ بِحُلول عام (1991)، مُرورا بِ (مَدْريدَ) و (أوسلو) في (91 و 93)، إلى اتْفاقِيَّةِ السلامِ بَيْنَ الأرْدنِ والحكومَةِ اليهوديَّةِ في (1994)، وحادِثَةِ المسْجِدِ الإبراهيمِيِّ فِي السنَةِ نَفْسِها في الخَليلِ!!، واتِفاقِيَّةِ السلام! والتي سَتُمَهِّدُ للسلامِ الشامِلِ!! (واي) في (1998)!، إلى اتفاقِياتٍ أُخْرى ومَبادَرَاتٍ انْتَهَتْ باجْتِياحاتٍ يَهُودِيَّةٍ وما وَقَعَ فِي مُخَيَّمِ جَنِين!!، إلى الجِدارِ الفاصِلِ في (2002)، وَقَتلِ (الرنتيسيِّ وياسين) في (2004)، والحَرْبِ عَلى غَزَّةَ، ومَقْتَلِ العائلَةِ على الشاطئِ في (2006)،وحَرْبِ لُبْنانَ ومَقْتَلَةِ قانا في السنَةِ نَفْسِها!، وانْتِهاءً بِما نَراهُ في غَزةَ اليومَ! وحَسْبُكَ مِنْ شَرٍّ سَماعُه!.

سَيَضْحَكُ يَوْماً ويَبْكي سَنة:

وقد استَعَرْتُ جمْلَةَ العُنْوانِ هذهِ - للدَّلالَةِ علَى ما سَيَجْنِيهِ عَدُوُّنا مِنْ ثِمارِ تِلْكَ الصنائعِ - من الشاعِرِ أَبِي الطيّبِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمّدٍ الغَزِّيِّ؛ المُتَوفَّى سَنةَ (1043) للهجْرَة؛ وكانَ مِنْ أَذكياءِ العالَمِ رَحِمهُ الله، فَعَدُوُّنا لا زَالَ علَى مَرِّ الأعْوامِ وتَوالِيها يُتْبِعُ الحِيلَةَ بالحِيلَةِ؛ ويَتَبَدَّى لأُمَّتِنا فِي صُوَرٍ شَتَّى! يَصْدُقُ عليها قَوْلُ صَاحِبِنا أبي الطيبِ:


عَلَى وَجْهِ مَيٍّ مَسْحَةٌ مِن مَلاحَةٍ تَزُولُ ويَبْقَى الخِزْيُ مِنْ بَعْدُ بادِيا!.


ويَبْدُو لِي أَنَّ أولئكَ النَّفَرَ مِنَ اليهودِ ومنْ وَراءَهم! تَغِيبُ عَنْهمْ مِنَ الحقائقِ مِثالُ ما يَغُيبُ عَنْ نَفَرٍ مِنْ أبْناءِ أُمَّتِنا!!؛...

فَلَئِنْ كانَ فَينا مَنْ غَابَ عَنْهُ (أَوْ تَجَاهَلَ) أَنَّ فِلسْطِينَ وُلِدَتْ مُسْلِمَةً وَشَبَّتْ وتَرَعْرَعَتْ مُسْلِمَةً؛ وَقُدِّرَ لَها أنْ تُغْتَصَبَ مُسْلِمَةً؛ ولَنْ تُخَلَّصَ إلاّ مَسْلِمَةً فَحَسْبُ،...

ولَئِنْ كانَ فِينا مَنْ غَفِلَ عَنْ أنَّ فِلَسْطِينَ مِلْكٌ لأُمَّةِ الإسلامِ بأَسْرِها؛ فَلا تُباعُ ولا تُوهَبُ ولا تُورث!....

ولَئنْ كانَ فِينا مَنْ لا يَزَالُ مُلازِماً لِعَتَباتِ المُتَآمِرينَ؛ يُعَوِّلُ عَلَى الأَرْقامِ التي لا نِهايَةَ لها!؛ والتي أَصْبَحَتْ تُضاهِي أَرْقامَ (البطاقاتِ البَنْكِيَّةِ) طُولاً وكَثْرَةً!!؛ والتي عَلَّقَ عَلَيْها بَعْضُ أصْحابِنا بِقَولِه: لَهُم الأَمْوالُ ولَكَ مِنَ الأَرقامِ ما شِئْتَ!؛ وعَلَّقْتُ قِياساً على قَوْلِه: فِلَسْطِينُ لليَهُودِ ولكُمْ مِِنَ الأَرْقامِ ما شِئْتُم!:القَرارُ (243) في (18/12/1968)، والقرارُ (592) في (8 /12/1986)، والقرارُ (605) في (22/12/1987)، والقَرَارُ (641) في (30/8/1989)، والقرارُ (694) في (24/5/1991)، والقرارُ (799) في (18/12/1992)، والقرارُ...والقرارُ...، فَأَيْنَ الفِرَار؟!؛ في قائِمَةٍ تُذَكِّرُ مُلازِمِي العَتَباتِ هؤلاءِ بِقِصِّةٍ أُخْرى تُحْكَى عَنْ حِكْمَةِ لُقْمانَ كذلك؛ تَحْكِي أَنَّ ذِئباً كادَ أنْ يَغْرقَ؛ وعَلَى الشاطِئِ بَطَّةٌ مَا أنْ رَأَتْهُ حَتى رَمَتْ إليَهِ بِعُودٍ!؛ فَتَعَلَّقَ بِهِ ونَجا!؛ فَلمَّا صارَ إلى الشاطئِ راحَ يَنْتَفِضُ والبَرْدُ وهَوْلُ المَوقِفِ يكادُ يَقْتُلُه!؛ فقالَتْ له: عَلَيْكَ أنْ تَدْفَعَ لِي أُجْرَةَ إنْقاذِك!؛ فقالَ لَها وقَ
دْ نَظَرَ إلَيْها بِإحدَى مُقْلَتَيْهِ وأَغْمَضَ الأُخْرى: إِحْمَدِي اللهَ على السلامَة!!.

أقولُ: لَئِنْ كانَ فِينا هَذا وَذَاكَ فَلَقَدْ غَابَتْ عَنْ عَدُوِّ الدينِ مِنَ الحَقائقِ (أَوْ تَجاهَلَ مِنْها) ما هُو كَفِيلٌّ بإذْنِ اللهِ بِانْقِلابِهِ على عَقِبَيْهِ خاسِئاً مَحْسُورا؛ ونُكوصِهِ ذليلاً مَدْحُوراً.

فَتَغَافَلَ عَمّا يَحْمِلُهُ فِي نَفْسِهِ مِنْ عَوَامِلِ السقُوطِ والانْهِيارِ؛ وما أَوْجَبَهُ تَقارُبُ الزمانِ والمَكانِ والانْفِتاحُ المَعْرِفِيٌّ (على ما فِيهِ مِنْ أَضْرار) مِنْ ظُهُورِ كَثيرٍ مِنْها مِمّا كانَ خَافِياً مِنْ قَبْلُ ، فانْكَشَفَ مِنْ عَوَارِهِ؛ وتَعَرّى مِنْ سَوْءاتِهِ؛ وفُتِحَ مِنْ مَنافِذِهِ مالَمْ يَكُنْ في الحُسْبان؛ ولله الحمد، مِمّا زادَ في جُمُوعِ جُنْدِ الإسلامِ والمُنْحازِينَ إلى عُدْوَتِه!؛ وَلا أَدَلَّ على ذلكَ عَمَلِيّا مِنًْ تَخَبُّطِ العَدُوِّ فِي سِياساتِهِ وتَنَاقُضِهِ فِي قَراراتِهِ وهِياجِهِ فِيما يُرْعِدُ بهِ ويُزْبدُ!؛ وما تَعاظُمُ الغُثَاءِ إلا لِتَعاظُمِ السَّيْلِ؛ فافْهَم!!.

وتَجَاهَلَ اليَهُودُ ومَنْ وَراءَهُمْ مِنَ الأمَمِ الغَرْبِيَّةِ - وكُلٌّ يَعُدُّ نَفْسَهُ امْتِداداً للآخَرِ!؛ فاليَهُودُ امْتِدادٌ لَحَضارَةِ الغَرْبِ!؛ والغَرْبُ امِتِدَادٌ للتارِيخِ اليَهُودِيِّ – أّنَّ الحَضَارَةَ... – مَع قَطْعِ النظَرِ عَنِ تَعْرِيفِها والمُرادِ بِها – كما قَالَتْ الأَمِيرَةُ العُمانِيَّةُ المُتَنَصِّرَةُ (سَالِمَةُ بِنْتُ سَعِيد) وبَعْدَ تَنَصُّرِها (إيميلي رُوثْ)؛ والتي تُوُفِّيَتْ في ألمانيا في (1926): (...لا تُؤْخذُ أوْ تَعْطى بالقُوَّة!؛ بلْ هِيَ نتاجُ تَجارِبَ وتَجاوُبٍ عَلَى مَرِّ القُرونِ؛ ويَجِبُ أنْ يُتْرَكَ لِكُلِّ شَعْبٍ الحَقُّ فِي اتِّباعِ قِيَمِهِ ونُظُمِهِ الاجْتِماعِيَّةِ والفِكْرِيَّةِ؛ التي هِيَ خُلاصَةُ حِكْمَةِ قَوْمِهِ وتَجارِبِهِمْ على مَرِّ العُصُور، فإذا أُريدَ فَرْضُ أفْكارٍ جدِيدَةٍ على مِثْلِ هذا الشعْبِ تُخالِفُ مُعْتَقَداتِهِ وتَقالِيدَهُ؛ فإنّ نتيجَتَها الفَشَلُ والخُسرانُ حَتْما!). انْتَهى.

وهذا الكلامُ وإنْ كانَ لَنا عَلَيْهِ بَعْضُ المُلاحَظاتِ؛ إلا أنّ الذي يَهُمُّنا مِنْهُ هُوَ الجُمْلَةُ الأُولَى، فإنَّ الشواهِدَ عَلَيْها مِنَ التاريخِ ومِنْ أَقْوالِ الباحِثِينَ كَثيرَة مَوْفُورَة، وإنَّما اخْتَرْنا النَّقْلَ عَنْها مَعَ أَنَّها لَمْ تَكُنْ مِنَ المُخْتَصينَ في ذلك؛ لأَّنَّها عاشَتْ الشطْرَ الأوَّلَ مِنْ حياتِها في بلادِها؛ ثُمَّ قَضَتْ بَقِيَّةَ عُمُرِها بَينَ (ألمانيا) و(إنجِلْترا) ضَحِيَّةً لِمُحاوَلاتِ فَرْضِ ما يُسَمَّى ب(الاسْتِعْمارِ) في ذلكَ الوَقْتِ سَيْطَرتَهُ على العالَمِ الإسلامِي!؛ فَتَحَدَّثَتْ عَمَّا أدْرَكَتْهُ وفِهِمَتْهُ مِما شاهَدَتْهُ بِنَفْسِها!.

ولا يُعارِضُ هذا الذي ذكَرَتْهُ عِبادَةُ الجهاد في الإسلام؛ فإنَّ الحِهادَ إنما شُرِعِ في الإسلامِ - سَواءٌ كانَ دَفْعاً أو طَلَباً – إزالَةً للعَوائقِ والحواجِزِ التي تَحُولُ بَيْنَ الناسِ وبَيْنَ بُلُوغِ دَعْوَةِ الله إليهم؛ ولا يَكُونُ ذلكَ إلاَّ بِخُضوعِ الناسِ كافَّةً لِسُلطانِ الإسلام، فَثَمَّةَ فَرْقٌ بَيْنَ إجْبارِ الناسِ عَلى اعْتِناقِهِ وهُوَ الذي لَمْ يقعْ في التاريخِ الإسلامِيِّ البَتَّةَ!؛ وبَينَ خَضُوعِهم لسُلْطانِه، وإنما أَقْبلَ الناسُ على دِينِ الإسلامِ أفْواجاً لِما حَمَلَهُ مِنْ المُثُلٍ والمَبادِئِ والقِيَمِ الأخْلاقِيَّةِ التي أَضَلَّتْها الأُمَمُ الأخْرى؛ حَتَّى وجَبَ عِندَ تِلكَ الأمَمِ أنْ تَقْتَرِنَ المَدَنِيَّةُ بالرذيلَةِ!!؛ كما قالتْ الأميرةُ المذكورَة!، مَعَ التَّنْبِيهِ عَلى أنَّ القِيَمَ والمُثُلَ مَهْما عَلَتْ (ونَعنِي هُنا الإسلام) فَلَنْ تَحُلَّ مَحَلَّ القُدْوةِ اللائِقَ بِها مالمْ تَكُنْ مَرْهُوبَةَ الجانِبِ مَصُونَةَ الحِمَى!؛ لأّنَّ تَقْليدَ الأُمَّةِ الضعِيفَةِ للأمَّةِ الغالِبِةِ سُنَّةٌ اجْتِماعِيَّةٌ كما قال ابْنُ خَلْدُونٍ وتَقَرَّرَ في عِلْمِ الاجِتِماع، وما فِي الأ
مَّةِ القَوِيَّةِ مِنَ المَحاسِنِ والمَساوِئِ يَسري إلى جَسَدِ الأخْرَى ولا بدّ، وبِهذا التقريرِ تَعْلَمُ أنَّ (الجِهادَ) الذي شَرَعَهُ الإسلامُ لَيْسَ فَرْضاً شَرْعِيّاً فَحَسْبُ؛ بَلْ هُوَ ضُرورَةٌ حَياتِيَّةٌ جارِيِةٌ وَفْقَ سُنَّةٍ رَبانِيَّةٍ لا تتَغَيَّرُ ولا تَتَبَدَّل.

وبِهذا أَيضاً تَعْلَمُ عِلمَ اليَقِينِ أّنَّ كُلَّ مُحَاوَلَةٍ تَجْرِي لِفَرْضِ المَفاهِيمِ الغَرْبِيَّةِ وما تُفْرِزُهُ بَينَ حِينٍ وآخَرَ - وعلَى رَأْسِ ذلكَ طَبْعاً الدْولَةُ اليهودِيَّةُ فِي قَلْبِ العالمِ الإسلامِيِّ وعلى أَرْضِ فِلسطين – ومَحَاوَلَةِ جَعْلِ ذلكَ أَمْراً واقِعاً وحَقِيَقَةً مُتَقَبَّلَةً! تَحْتَ أَيِّ شِعارٍ كانَ هُوَ مِنْ قِبيلِ العَبَثِ؛ بلْ هُوَ العَبَثُ كُلُّه!؛ فَكَيفَ والأُمُةُ اليُهودِيَّةُ ومِنْ وَرائِها النّصْرانِيَّةُ خِلْوٌ عَنْ المَبادِئِ والقِيَمِ؟!؛ وإذا كَانَتْ الأُمَمُ الغَرْبِيَّةُ لا تَعْبُدُ غَيرَ المادَّةِ ولا تُؤمِنُ بِغَيرِ مَبْدَأ الحّقِّ للأَقْوى كَما سَبَقَتْ الإشارَةُ إليه!؛ فإنَّ اليَهودَ حُثالَةُ الأُمَمِ ونُفَايَةُ التارِيخِ!؛ وَلا يُعْرَفُ لَهْمْ مَبْدأٌ لَزِمُوهُ في يَوْمٍ منَ الأيام!!.

وَأَهمُّ مِنْ هذا وذاك؛ أَننا ¬- أُمّةََ الإسلام - أُمُّةٌ تَنْفِي كُلَّ دَخِيلٍ وجِسْمٍ غَريبٍ عَنْها شَرْعاً وقَدَراً؛ وأَعْنِي أننا كَما أُمِرْنا بِذلكَ شَرْعا؛ فَمِنْ رَحْمَةِ اللهِ بِنا أنْ قَدَّرَ خُروجَ كُلِّ ما لَيسَ مِنْ جَسَدِ الأُمَّةِ عَنْها!؛ وذلكَ لَقَولِ النَّبي صلَّى الله عَلَيْهِ وسلم: مَثلُ المُؤمِنِينَ في تَوادَّهم وتراحُمِهِم كَمَثَلِ الجسدِ الواحد...الحديث، وهُوَ حَكْمُ قَدَريٌّ؛ كَما أنه حُكمٌ شَرْعِيٌّ ولا فَرقَ؛ كما نَبَّهَ عَليهُ بَعْضُ العُلماء، ومِنْ شَأنِ الجَسَدِ أنْ يَنْفِيَ عَنْهُ كلَّ خَبِيثٍ بِقُوَّةِ المَناعَةِ التي أودَعَها الله فيه!!؛ والحمدُ لله رَبِّ العالَمين.

بَينَ الذِّكْرَياتِ والعَمل:

ونَحنُ لا نَريدُ أن يَبقَى حدُيثُنا عَنْ فِلَسطِينَ اجْتِراراً للماضِي فَحَسْبُ!، ولا اسْتِعْراضاً للحَوادِثِ حَتى كَأَنَّنا نُسَخٌ مِنَ الصحُفِ أو إِعادَةٌ لِتَقارِيرِ الأخْبار!، ولا أنْ يَكُونَ حَدِيثُنا عَنْها الخُطَبَ الحَماسِيَّةَ التي مَلَّها الناسُ ومَجَّتْها أَسْماعُهم!!؛ تَزْدادُ جَذْوَتُها عِنْدَ تَجَدِّدِ الحوادِثِ كَحوادِثِ غزَّةَ الأخيرَةِ!؛ ثمَّ لا تَلْبَثُ العَواطِفُ أنْ تَخْبُوَ في زَحْمَةِ الحَياة!!.

ولَيْسَتْ غايَتُنا تَحْلِيلَ ما يَجْرِي والنَّظرَ فِيما لَنا وما عَلَيْنا دُونَ أنْ نتَعَدَّاهُ إلى غَيره!؛ وإلاّ كُنَّا كَمْنَ جَمَعَ أَدَواتِ البِناءِ ثمّ لمْ يَنْتِفِعْ بِشيءٍ مِنْها وراحَ وتَرَكَها!.

جَميلٌ أنْ نَرْبِطَ أَجْيالَنا بِتارِيخِها، بل ذلكَ واجبٌ مِنْ واجِباتِنا؛ لأنَّ الأمَّةَ بلا تاريخٍ شَجَرَةٌ بلا جُذُورٍ أو بِناءٌ بلا أَساس، والتاريخُ عامِلٌ تَرْبَوِيٌَ مُهِمٌ فِي نُهُوضِ الهِمَمِ وَمَضاءِ العَزائمِ والتصْمِيمِ عَلى بُلُوغِ الغايَةِ والثباتِ على الطريقِ مَتى اسْتُخْدِمَ عَلى الوَجْهِ الصحيحِ، وقدْ قيلَ: تَجاربُ المتَقدِّمينَ مَرايا المُتَأَخِّرين!.

ومَنْ ذا الذي يُنازِعُ فِيما لِفَلَسْطِينَ مِنَ المَكانَةِ والمَنْزِلَةِ في قَلْبِ كُلِّ مُسْلم؟!، وفي أنَّ لَها تاريخاً عَريقاً مُنْذُ فَجْرِ الإسلامِ يَحْفَلُ بأخْبارِ أعْلامِها وعُلَمائِها وصالِحيها؛ لَو أُفْرِدَ بالتصْنِيفِ لَجاءَ فِي مُجلَّداتٍ كثيرَة!، بَلْ إنَّ تارِيخَ غَزةَ وَحْدَها بِحَسْبِ ما وَقعَ لِي منَ التتبُعِ والاسْتِقْراءِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَجيئَ في نَحْوِ سَبْعِ مُحَلَّداتٍ أو ثمانِيَة!، وفِي أَنَّها الأرضُ المُبارَكَةُ التي ذكِرتْ في القرْآنِ في مَواضِعَ كثيرة؛ وذُكرَتْ في السنَّةِ كذلكَ فيما وَرَدَ من الأحاديثِ في فَضائِلِ بلادِ الشامِ وهِي كَثيرَةٌ أفْردَها بالتصْنِيفِ منَ العلَماءِ ابنُ رجَبٍ الحنْبَليُّ؛ وأبو الحسنِ الرَّبَعِيُّ؛ وأبو سعْدٍ السمْعانِيَُ؛ ومُحَمَّدُ بنُ عَبدِ الهادِي؛ وغيرُهم رَحِمَهم الله، وفِلَسْطِينُ مِنْ بِلادِ الشام؛ بل ذكرَ الإصْطَخْريُّ في (المسالكِ والممالكِ)؛ والحِمْيَرِيُّ في (الروضِ المِعْطار) أّنها أَزْكى بِلادِ الشام؛ وقال الأولُ: وآخِرُ مُدنِ فِلَسطينَ مِمَّا يلي مِصْرَ مَدينَةٌ يقالُ لها غَزة، وفِي (خَرِيدَةِ العجائِبِ) لابْنِ الوَرْدي: أنَّ الشامَ خَمْسُ ش
اماتٍ؛ فالشام الأولى فِلسطينُ ونَواحيها، فَغَزَّةُ على هذا مِنْ جُمْلةِ بلادِ الشامِ وهِي مِن الأرْضِ المُبارَكةِ التي ذًكِرَتْ في القرآنِ الكريم!؛ والعَرَبُ لا تَعْرِفُ بَينَ مِصْرَ والعِراقِ غَيرَ الشام!؛ وهذا يُغْنِي فِي فَضْلِها وفَضْلِ سُكناها عَنْ بَعْضِ الأحاديثِ التي ورَدتْ في فَضْلِ غَزة ولا يَصحُّ منها شَيءُ وتَحْرُمُ نِسْبِتُها إلى رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنها مَكذوبَةٌ عليه، كحديثِ: لولا رَملٌ بَينَ غَزَّةَ وعْسقَلانَ لَعَنْتُ الرمل!، وحديثِ: أُبَشِّرُكم بالعَرُوسَينِ - أو طُوبَى لِمَنْ أسكَنَهُ الله أحدَ العَرُوسَينَ - غَزَّةَ وعَسقلان!.

غَيْرَ أنّ هذا كُلَّهُ لَنْ يَرُدَّ الحقَّ إلى صَاحِبِهِ؛ بلْ هُوَ فِي مِيزانِ المَعْرَكَةِ كَحِلْيَةِ السَّيفِ مَعَ السيف!!؛ وما عَسَى الحِلْيَةُ أنْ تُغْنِيَ عن صاحِبِها ما لَمْ يُقارِنْها الحُسامُ المُهَّنَّدُ؟!!.

غَيْرَ أَنَّنِي أُلْقِي إلَيكَ خِطامَ الأمْرِ وزِمامَهُ؛ فَأَلْقِ إليَّ السمْعَ حاضِرَ الذهِنِ يَقِظَ الفُؤاد:

إنَّ فُرْقانَ ما بَيْنِ الكَدِّ والراحَةِ في هَذا الطريقِ عَزِيمَةٌ وهِمَّة!؛ وهُما ضَرِيبَتانِ لا بُدَّ مِنْ واحِدَةٍ مِنْهُما؛ إما العِزَّةُ والكرامَةُ في الدنْيا والآخِرَةِ ودُونَها بَذْلُ النفْسِ والنَّفِيس، وإما الحالُ الذي نَراهُ عافَانا اللهُ والمُسْلِمينَ مِنه.


ومَنْ يَتَهَيَّبْ صُعُودَ الجِبا ل يَعِشْ أبدَ الدَّهْرِ بَيْنَ الحُفر!


إنها لَيْسَتْ بالأمَانِيِّ!؛ لكِنَّها الأَقْوالُ التي تُجَنِّدُ الأعْمالَ؛ والأعْمالُ التي تَصَدِّقُ الأَقْوال!، ومَنْ صَدَقَ اللهَ صَدَقه.

وانْظُرْ إلى أُمَّةِ اليَهُودِ أبادَها اللهُ؛ وَهِيَ أذَلُّ مِنَ النَقَدِ (والنَّقَدُ بِفَتْحَتَيْنِ: صغارُ الغَنَم)؛ وأصْبَرُ على الهَوانِ مِنَ الوَتَدِ!!؛ كَمْ بَذلَتْ مِنَ العَمَلِ والزَمَنِ في ابْتلاعِ فِلَسطِين؟!!.

وهَلْ حَصَلَ لَها ذلكَ بالأَرْقامِ والقراراتِ؛ أَو بالشِّعاراتِ والهُتافَات؟!؛ أمْ سَطَتْ عَلَيها سَطْوَةَ الذئبِ عَلى الشاةِ علَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنَ الراعِي؟!.

وهَلْ تَرَى مِنْ سَبيلٍ يُخَلِّصُها بِهِ الراعِي مِنَ الذئبِ عَلَى وَجْهٍ يَرْعَى فيهِ الذئبُ الحقَّ والأدَب؟!...

أمْ تَرى الراعِيَ سَيَسْتَنْجِدُ بالضباعِ النابِشاتِ قُبُورَ الأَمْواتِ؛ عَساها تَرُدُّ عَليهِ ما فاتَ وتَسْتَدْرِكُ ما ذهب؟!؛ وأُمَّةُ الضِّباعِ كَما قيل:


أَهْوَنُ الأَشْياءِ فِي شِرْعَتِها أُمّةٌ تُمْحَى وَشَعْبٌ يُلْتَهم!.


إنَّ السعْيَ الذي بُذِلُ في انْتِزاعِ فِلَسْطينَ مِنْ أَيدِي أَهْلِها لا بَدُّ أنْ يُقابَلُ بِمِثْلِهِ جَرْياً مَعَ سُنَّةِ التدافُعِ بَينَ الحقِّ والباطِلِ فِي دَارِ الامِتحانِ والابْتلاء، والمُسْلِمُ وغَيرُهُ مَسْتَوونَ في الوُصُولِ إلى النتائجِ بالأسباب؛ فَكما يَتَوصَّلانِ إلى دَفْعِ الجوعِ بالطعامِ والمَرضِ بالتداوي؛ يَسْتَوِيانِ كذلكَ في الأسبابِ المُوصِلَةِ إلى حُصُولِ الدَّوْلِةِ والسلطان!؛ والفَرْقُ بَيْنَهُما: أنَّ المُسْلِمَ لا يَأخُذُ إلا بِسَبَبٍ أَمَرَهُ به الشرع؛ و أَما الكافِرُ فَيَرْكَبُ كُلَّ سَوْداءَ مُظْلِمَةٍ لا يَكْبَحُ جِماحَهُ خُلُقٌّ؛ ولا يَنْهاهُ رَبٌّ ولا دين!.

تَباشِِيرُ الصُّبح:

والسعْيُ الذي يَنْتَهِي بالنجاحِ - بَعْدَ إخْلاصِ الوَجْهِ لله رَبِّ العالَمِين – هُوَ السعْيُ الذي يَعْتَمِدُ المَقْدُورَ مِنَ الأسْبابِ؛ ويَجْتَنِبُ الخيالاتِ والأَوْهامَ؛ التي لا وُجُودَ لها إلاّ في العُقُولِ؛ وأما في الخارجِ والواقِعِ فلا حَقِيقَةَ لها!.

ومِنْ أحْسَنِ ما يُعْجِبِني في هذا المَقامِ قَوْلُ القائلِ:


إِنَّما رَجُلُ الدنْيا وَوَاحِدُها مَنْ لا يُعَوِّلُ فِي الدنْيا علَى أَحَد.


وَعَيْنا (مِنَ الوَعْيِ) عَلَى الدُّنْيا مُنْذُ ثلاثِينَ عاماً؛ ونَحْنُ نَسْمَعُ خُطَباءَ الحَماسَةِ يقُولُون:

لَوْ أنَّ المُسْلِمِينَ رَمَى كُلُّ واحِدٍ مِنْهمْ حَصاةً على اليَهُودِ لدَفَنُوهُم أَجْمَعين!!؛ والذي حصَلَ أنَّهم لَمْ يَجْتَمِعُوا لِرَمْيِ حَصاةٍ؛ ولا حَبَّةِ رَمْل!.

ولَوْ أَنّ كُلَّ واحِدٍ مِنْهمْ بَصَقَ! – أكرمَكُمْ الله – عَلى اليَهُودِ لأَغْرَقُوهُم!!؛ وما أَغْرَقُوهُم ولا بَلُّوا بِها أجْسادَهُم!.

ولوْ أنَّ كلَّ واحِدٍ مِنهم دَفَعَ (رِيالاً) أو (دِرْهَما) لَكَفَيْنا أهْلَ فِلَسْطِينَ صَغِيرَهُم وكَبِيرَهم، ولمَكَّناهُمْ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَلَمْ يَحتاجُوا إلى أحَد!!؛ والمُحَصِّلَةُ أنْ لا (رِيالَ) ولا (دِرْهَم)!.

ولَو أَنَّهُمْ زَحَفُوا إلَيْهِمِ بِحَمْعِهِمْ عُزَّلاً سَيْراً على الأَقْدَامِ لَوَلَّوْا أمامَهَمْ هارِبِينَ!، وما زَحَفُوا؛ ولا مَشَوْا؛ ولا رَكِبُوا؛ ولا طارُوا!!.

وهذا وأَمْثالُهُ هُوَ الذي قُلْتُ لكَ إنهُ ضَربٌ مِنَ الخَيالَ ولا حَقِيقَةَ له، وكَمْ أقْعَدَ هذا عَنِ العَمَلِ مِنْ أُمَم؟!؛ لأَنَّهُمْ ظَنُّوا أنهُ الحَدُّ الذي لا غايَةَ مِنْ وَراءِه!؛ وغابَ عَنْهُمْ أنَّ حَرَكَةَ الأُمَمِ كَحَرَكَةِ القاطِرَةِ؛ تَسِيرُ بِسَيرِ أوَّلِ عَرَبَةٍ مِنْها؛ مَتى استَقامَتِ الأولَى وَوَافَقَتْ فِِي سَيْرها أَمْرَ الله شَرعاً؛ وسُنَّتَهُ كَوْناً وقَدَراً.

وهذا اللوْنُ مِنَ التَّفْكيرِ هُوَ الذي يُوَلِّدُ العَجْزَ!، ويَؤولُ بِنا إلى ما لا غِنَىً فِيه، حَتى يُخَيَّلَ إلَيْنا أنّنا كما تَقُولُ العامَّةُ في أمثالِها (أتَيْنا بالذئبِ مِنْ ذيلِهِ!) ونَحْنُ نُقَدِّمَ لِفِلَسْطينَ وَأبْنائِها الأَغْطِيَةَ واللُّحُفَ؛ وقَوارِيرَ الدواءِ الأُورُوبِيَّةِ المُسْتَورَدَة؛ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أو مَرَّتَين!!.

ومِنْ اسْتِشْعارِ الاسْتِضْعافِ!؛ ودَعْوى العَجْزِ عَنِ الواجِباتِ ما هُوَ أعْظَمُ مِنَ الفَجُورِ إثْما؛ حتَّى وإن ارْتَدَى ثِيابَ الصلاحِ والنُسكِ!، لأنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبابِ هَلاكِ الأُمَمِ وتَسَلُّطِ الأَعْداءِ عَلَيْها!، ومِنْ هذا القَبيلِ كَلامُ (وِلْ ديُورانْت) عَنْ تارِيخِ الهِنْدِ إذْ يَقُول: وفي هذا سرُّ التاريخِ السياسِيِّ للهِنْدِ الحديثَة؛ فقَدْ مَزَّقَها الانْقِسامُ حَتى جَثَتْ أمامَ الغُزاةِ؛ ثم أَفْقَرَها هؤلاءِ الغُزاةُ؛ فأَفْقَدُوها قوّةَ المُقاوَمَة، فاسْتَجارَتْ مِنْ هذا البلاءِ بِعَزاءٍ في الحَياةِ الآخرة، ومِنْ هُنا راحوا يُؤْمِنُونَ بأَنَّ السيادَةَ والعُبُودِيَّةَ كِلاهُما وَهْمٌ زائلٌ!!، ويَعْتَقِدُونَ بأنَّ حُرِّيَّةَ البَدَنِِ أو حُرِّيَّةَ الأُمّةِ لا تَكادَانِ تَستَحقانِ الجِهادَ في مِثْلِ هذهِ الحَياةِ القصِيرة!!. انتهى.

وهذا كلامٌ يَحْتاجُ مِن الوُقُوفِ عِنْدَهُ ما لا تتّسِعُ لهُ هذه المُسامَرة.

وَلَعَمْرُ اللهِ إنهُ لأَمْرٌ تُعَضُّ مِنْهُ أنامِلُ الكفِّ!؛ وإلا فَمَنْ صَدَقَ فِي طَلَبِ شَيءٍ غَلَبَ عَلَيْهِ طَلَبُهُ؛ ومَلكَ جَوانِحَهُ وجَوارِحَهُ؛ وسَعَى إليه جَهْدَه؛ ولَمْ يَتْركْ سَبيلاً يُؤدِّي إلِيْهِ إلا وسَلكَه؛ وإنْ سُدَّتْ أمامَهُ طريقٌ طلَبَ غَيْرَهُ؛ ولا يَمْنَعُهُ عَجْزُهُ عنْ شَيءٍ أنْ يَفْعَلَ ما يَقْدِرُ عَليه؛ فإنْ حالَ بَيْنَهُ وبَينَ ما يُريدُ حائِلٌ خارِجٌ عَنْ قُدْرَتِهِ رَأَيْتَهُ سَاعِياً في إزالَتِهِ؛ مُتَحِفِّزاً يتَربَّصُ حتى يُجاوزَه!.

فَمَنْ صَدَقَ فِي طَلِبِهِ فِلَسْطِينَ وكَرامَةَ المُسلِمين؛ فليَكُنْ سَعْيُهُ عَلى هذه الشاكِلة؛ وأُمَّتُنا بِحَمْدِ اللهِ وَلُودٌ وفَيرَةُ الخَيرِ شَبَّها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ بالغَيثِ؛ وَوَضَّحَ لَها طَرِيقاً للخَلاصِ مُخْتَصَراً!؛ وجَمَعَ لها بَيْنَ الهَيبَةِ والكَرامَةِ والجاهِ والمالِ!؛ وعَلَّمَها الاعْتِمادَ على النَّفْسِ!؛ بِقَوْله: (وجُعِلَ رِزْقِي تحتَ ظِلِّ رُمْحي)!؛ والله يَهْدي مَنْ يَشاءُ إلى صِراطٍ مَسْتَقِيم.

إنَّ ما يُواجِهُنا مِنَ الأخْطارِ بِلُغَةِ العِلْمِ يَصْلُحُ أنْ نَجِيبَ عَنْهُ بِلُغَةِ العِلْمِ ومُصْطَلَحاتِ العِلْم؛ سَلَّمْنا!، فإنْ تَجَاوَزَ الخَطَرُ إلى لُغَةِ الأنيَابِ وشِرْعَةِ الغابِ والتي تُقُومُ على أَساسِ اعْتِبارِ المَنْفَعَةِ الخاصَّةِ دُونَ اعْتِبارٍ للدينِ والقيَمِ والأخلاقِ فَحِينَئِذٍ لا تَصْلُحُ اللغَةُ الأُولَى!، خَاصَّةً إذا عَلِمْتَ أنَّ (نَزْعَةَ القِتالِ والصراعِ فِطْرَةٌ بَشَريَّةٌ، وأنّ صُوَرَ القِتالِ هِيَ التي تَتَغَيَّر)؛ كما قالَ العالِمُ الأمْريكِيُّ (كريسي مُورِيسُون)!؛ وهَذا كلامٌ صَحِيحٌ لا غُبارَ عَلَيه؛ مَوْجُودٌ فِي البَشَريَّةِ مِنْ عَهْدِ ابْنَيْ آدَمَ عَلَيْهِ السلام، وما دَامَ عُدُّوُّنا بَشَراً فَلَنْ يَتَخَلَّى عَنْ هذهِ النزْعَةِ أبَداً؛ حتّى ولَو تَخَلَّيْنا لهُ نَحنُ عَنْ بَشَرِيَّتِنا لا عَنِ الجِهادِ والقِتالِ فَحَسْب!!، ولذا جاءَ الشرْعُ مُوَافِقاً لِهذا؛ وجَعَلَ مِنْ هذهِ النزْعَةِ عِبادَةً للهِ تَعالَى؛ تَرْجِعُ إلَى أُصولٍ وقَواعِدَ وحُدُودٍ لا تَعْرِفُ البَشَرِيَّةُ لها مثِيلا!، وشَأْنُهُ هُنا كَشَأْنِهِ معَ النَّزَعَاتِ البَشَرِيَّةِ الأُخْرَى - كُحُبِّ
التَّمَلُّكِ مثَلاً – لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْها بِمَرَّةٍ ولمْ يُطْلِقْ لَها العِنانَ لأَنَّ فِي كلا الطَّرَفَيْنِ فَساداً وإفْساداً؛ وخَيْرُ الأمُورِ ما كانَ بَيْنَ ذلكَ قَوَاما، وَلأَّنَّ الإسلامِ يَجْرِي مَعَ سُنَنِ الحياةِ ولا يُصادِمُها، و لِهذا أيْضاً كانَتْ الآياتُ القُرْآنِيَّةُ التي تُبَيِّنُ الجِهادَ وأحْكامَهُ وآدَابَهُ نَحْوَ رُبِعِ القُرْآنِ أو أكثَر!.

بُنَيَّاتُ الطّريق: (هيَ الطرقُ الصغار التي تتشعَّبُ مِن الطريقِ الأصْلي).

ومِنَ القَصَصِ التي يَنْبَغِي أنْ تُذْكَرَ في هذا المقَام أنَّ مُؤَسِّسَ اتحادِ العُمالِ اليَهُودِي على أَرْضِ فِلَسْطِينَ فِي سَنَةِ (1921)؛ والذي دَخَلَ فِلَسْطِينَ لأولِ مَرةْ إلى يافا في سنَةِ (1906) وبَقِيَ هُناكَ حتى نَفَتْهُ الدولَةُ العُثْمانِيَّةُ في سَنَةِ (1915)؛ وأوَّلَ رَئيِسٍ وُزَراءٍ للعَدُوِّ الصُّهْيُونِيِّ (بِنْ غُورْيُون) كانَ قدْ أَلْقَى خِطاباً عام (1971) تَحَدَّثَ فِيهِ عَنِ المُرادِ بِكَلِمَةِ (اليَهُودِي)؟!؛ ثُمَّ ذكَرَ جَواباً رَدَّهُ إلى أربَعمائِةِ عامٍ قَبْلَهُ؛ يُعَرِّفُ اليَهُودِيَّ بِأنَّهُ الإنسانُ الذي يَلْتَزِمُ العَمَلَ بِ (630) وصَيَّةً فِي التوراة، وقالَ لِمَنْ يُخاطِبُهم: وأنا أَشكُّ في كَوْنِكم تَعْمَلُونَ بمائةِ وصيَّةٍ مِنها!؛ ولا تَسْتَطِيعُونَ القَوْلَ بأنَّكمْ يَهودٌ حتى تَعْمَلُوا بِها!!.

وإنّما ذكرْتُ هذا لِيَعْتَبِرَ بِهِ الذينَ سَلَكُوا كُلَّ سَبِيلٍ لأَجْلِ فِلَسْطِينَ إلاً السبِيلَ التي يَرْضاها الله تَعالَى!!؛ فَتَعَلَّقُوا بِغَيرِ الخالِقِ!؛ حتى رُمِيَ بِهْمْ مِنْ حالقٍ (مكان مُرْتَفِع)!؛ فَماذا جَنَوْا وجَنَيْنا بَعْدَ سِتِّينَ عاماً أو يَزيد؟!؛ وَهْلْ وَجَدُوا فِي غَيْرِ اللهِ غِنَىً وكِفَايةً؟!؛ وأَيْمُ اللهِ الذي لا يُحْلَفُ بِرَبٍّ سِواهُ لوْ لَبِثَ هؤلاءِ أَلْفَ عامٍ أو يَزيدُ ما نَالُوا مِنْ فِلَسْطينَ غَيْرَ الذي يَرَوْنَهُ!؛ وما زادَهُمْ ما هُمْ فيهِ غَيرَ تَخْسِير!.

الناسُ يَفِرُّونَ مِنَ اللهِ!!؛ ويَهْرُبُونَ من (الجِهادِ) الذي أُمِرُوا بِه!؛ مَعَ أنَّ الجِهادَ في سَبيلِ الله هُوَ الطريقُ الأمْثَلُ ل(السَّلامِ) الذي يَبْحَثُونَ عَنْهُ!؛ لأَنَّ الدينَ القُدْوَةَ ما دامَ فِي المَوْضِعِ اللائقِ بهِ ارْتَدَعَ بِهِ المُعْتَدِي وتَحَقَّقَ الأمْنُ والْعَدْل!، وهِيَ حَقِيقَةٌ لَمْ تَغِبْ عَنْ مِثْلِ (وِلْ ديورانْتْ) حِينَ قال: ولَيْسَ في التاريخِ دِينٌ غَيرَ الإسلامِ يَدْعُوا أَتْباعَهُ عَلى الدّوامِ إلى أنْ يَكُونُوا أَقْوِياء!؛ ولَمْ يُفْلِحْ فِي هذهِ الدعْوَةِ دينٌ آخرُ بِقَدْرِ ما أَفْلَحَ فِيها الإسْلام!!). انتَهى.

ولا أَدَلَّ عَلى هذا مِنْ أنَّ جَميعَ غَزَواتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ والتي بَلَغَتْ سَبْعَاً وعِشْرينَ غَزْوَةً؛ وسراياهُ التي بَلَغََتْ سِتّاً وخَمْسِينَ سَرِيَّةً لَمْ يُقْتَلْ في جَمِيعِها مِنَ المُشْرِكينَ سِوى بِضْعِ مِئاتٍ لا تَزِيد؛ وفِي نَحْوِ عَشْرِ سِنَين!؛ ولكِنَّها كانَتْ تَبْديداً للظُلْمِ وإقامَةً للعَدْلِ الذي عادَ خَيْرُهُ عَلَى البَشَريَّةِ كُلِّها لا عَلَى المُسْلِمِينَ وحْدَهم!، وهذا لا يَبْلُغُ نِصْفَ عَدَدِ الذينِ حَصَدَهُمْ اليَهُودُ فِي أيامِنا هذهِ فِي غَزّةَ بَعْدَ مُؤْتَمَراتِ (السِّلامِ عَلَى السُّلامِ!) لا (السَّلام)!؛ (بكَسْرِ السينِ: الحِجارة؛ وبِضَمِّها: العِظامُ؛ وبِفَتْحِها: ما عَلِمْتَ!)، وَأَينَ هذا العَدَدُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَضْعَافِهِ الذينَ حُصِدُوا في غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ فِي (صَبْرا وشاتيلا)، رَحِمَ اللهُ أمْواتَنا وأَمْواتَ المُسْلِمين.


ومَا غُرْبَةُ الإنْسانِ فِي شُقَّةِ النوَى ولكِنَّها واللهِ فِي عَدَمِ الشَّكْلِ!.


يا قَوْمِ!؛ دَعُونا مِنْ بُنَيَّاتِ الطريق!، ولا يَكُونَنَّ اليَهُودُ على دِينِهِمْ الباطِلِ بأَحْرَصَ مِنْكم عَلى دِينِكْم الحقِّ دِينِ الإسلام، ولا تَسْتَوي تَكاليفُ الطاعَةِ مَهْما عَظُمَتْ وتَكالِيفُ المَعْصِيَّةِ البَتةَ!؛ والمُطِيعُونَ هم الفائزون، وإذا كانَ اليهُودِيُّ المَغْضُوبُ عَلَيْهِ هُوَ الذي يُعَرَّفُ عِنْدَ اليهُودِ بِما ذُكِر!؛ فالمُسْلِمُ الذي هُوَ عَبْدُ الله حَقا الموعُودُ بالنَّصْرِ هوَ: مَن امْتَثَلَ كِتابَ رَبِّهِ وسُنَّةَ نَبِيِّهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم؛ وهُوَ مَنْ كانتْ صلاتُهُ ونُسُكُهُ ومَحْياهُ ومَماتُهُ للهِ رَبِّ العالَمِينَ؛ وهَوَ مَنْ جَمَعَ إلى جِهادِ القَلَمِ واللسانِ جَهادَ السيفِ والسنَانِ، فَهُوَ كَما قَالَ أبُو الطيبِ أيْضاً:


فِي بُرْدَتَيْهِ أبو دُؤادَ لِجارِهِ ولِمَنْ يُناوِيِهِ أُبُو الأذعار!.


ويا أبْناءَ فِلَسْطِين!؛ أذهَبَ اللهُ عَنْكمْ هَبَواتِ المِحَن؛ وعَلَيكَمْ مِنْهُ جَلَّ وعلا يَدٌ واقِيَةٌ؛ وجَعَلَ اللهُ هذه الرَّزِيَّةَ خَاتِمَةَ الرزَايا؛ وصَبَّ عَلَى عَدُّوِّكِمْ بَأيديكمْ سَيْلَ المَنايا؛ ولا وَاللهِ ما بِنَا عَنْكُمْ رَغْبَةٌ؛ دِمَاؤُكُمْ دِماؤُنا؛ وأبْناؤُكم أَبْناؤُنا، ولَئِنْ أَشْهَدَنا اللهُ مَواطِنَكُم لَيَرَيَنَّ ما نَصْنَعُ


فِي فِتْيَةٍ مِنْ (جُنُودِ الله) ما تَرَكَتْ للرَّعْدِ كَرَّاتُهُمْ صَوْتاً ولا صِيتـا
قَوْمٌ إذا قُوبِلُوا كانُوا مَلائِكَــةً حُسْناً؛ وإنْ قوتِلُوا كانوا عَفَارِيتا!.


وبالله التوفيق.


نقلا عن موقع
أكناف بيت المقدس


tawhed.ws | alsunnah.info | almaqdese.net | abu-qatada.com |mtj.tw
* إننا - في منبر التوحيد و الجهاد - نحرص على نشر كل ما نراه نافعا من كتابات ، إلا أن نشر مادة " ما " لكاتب " ما " ، لا يعني بحال ؛ أن ذلك الكاتب يوافقنا في كل ما نقول ، و لا يعني ؛ أننا نوافقه في كل ما يقول في كتاباته الأخرى ، و الله الموفق لكل خير . * في حال عدم ظهور اسم كاتب موضوع " ما " بجوار عنوان موضوعه .. فإن ذلك إما لكون اسم المؤلف غير معروف لدينا .. أو أنه مذيل في نهاية الموضوع !